التبرك بالأولياء من أجل طلب الغيث .. "أفعال شركية" أم ممارسات تلقائية؟
صورة: أرشيفهسبريس - توفيق بوفرتيحالأحد 22 شتنبر 2024 - 12:00
تعرف طقوس الاستسقاء وطلب الغيث حضورا قويا في الممارسة الدينية لسكان المناطق الناطقة بالأمازيغية في المغرب، خاصة في جنوب البلاد الذي يعرف انتشار مجموعة من المدارس العتيقة والمواسم الدينية والأضرحة والأولياء الذين يُتبرك بهم ويتم التوجه من خلالهم بالدعاء إلى الله من أجل إنزال المطر، على غرار موسم “طائفة إداولتيت” وغيره من المواسم الأخرى التي يحج إليها الأمازيغ أفواجا.
وعلى الرغم من تمسك “إيمازيغن” بهذه الطقوس، بل وربط بعضهم لهطول المطر بها وببركة هذا القطب الرباني أو ذاك؛ فإنها تكون دائما محل انتقاد كبير، إذ يعتبر المنتقدون أنها تنطوي على “أفعال شركية”، خاصة فيما يتعلق بالتوسل بجاه الأولياء واتخاذهم وسيلة لطلب الغيث والرحمة من السماء، في وقت يؤكد فيه المؤيديون أن الأمر يتعلق بممارسات تلقائية بريئة تؤكد حب المغاربة وتقديرهم لأهل العلم والتقوى.
طابع ديني
في هذا الإطار، قال الحسين العمري، باحث في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، إنه “وجب بداية التذكير بأن طقوس الاستمطار وطلب الغيث موجودة في جميع الدول والثقافات، خاصة الإفريقية منها، إذ تجد لها امتدادات تعود إلى فترة ما قبل الإسلام”.
وأضاف العمري، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مجيء الإسلام إلى المغرب مثلا أعطى لهذه الطقوس طابعا دينيا يتجلى في صلاة الاستسقاء التي تقام في ربوع المملكة، والأدعية التي تُرفع بمناسبة بعض المواسم الدينية أو عند زيارة الشيوخ والأولياء”.
وأوضح الباحث في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا أن “هناك أيضا مجموعة من الطقوس الأمازيغية ذات الصلة والتي تجد لها امتدادا في الثقافة المحلية للأمازيغ على غرار طقس “تاسليت أونزار”، أي عروس المطر، الذي كان يقام في القرى والمداشر على شكل طواف يشارك فيه الأطفال الصغار والنساء مع ترديد أهازيج محلية تنادي بنزول الأمطار”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الممارسات المتعلقة بطلب الغيث تطورت في المجتمع الأمازيغي بعد إسلام الأمازيغ، على الرغم من أنها بقيت متفردة، حيث كان مثلا يتم قلب لباس الصلاة أثناء صلاة الاستسقاء في إشارة إلى الرغبة في تغيير حال بحال”، مضيفا أن “هذه الممارسات ظلت أيضا حاضرة في الممارسات الدينية لسكان المجال الأمازيغي والتي تتجلى في المواسم الصوفية والطوافات والمزارات الدينية التي لا تخلو من دعوات نزول الغيث من خلال بعض الأشعار والأدعية التي يتم ترديدها طلبا لهطول الأمطار وأن يكون الموسم الفلاحي زاهرا”.
تبرك بالأولياء
في السياق ذاته، أورد إبراهيم الطاهيري، باحث في التاريخ الديني والاجتماعي، أن “طقس طلب الغيث موجود في طقوس وممارسات مجموعة من الطوائف الدينية في الجنوب المغربي، خاصة في سوس؛ كالطائفة الولتيتية الشهيرة التي ينطلق طوافها تزامنا مع كل موسم فلاحي، إذ تطوف حول مجموعة من الأضرحة والزوايا والمدارس العتيقة في سوس، وتكون جل أذكارهم حاملة لكلمات متعلقة بالمطر وبالاستغاثة برحمة الله”.
وسجل الطاهيري أن “الأمر يتعلق بالتبرك بالأولياء والأقطاب الربانية والدعاء من خلالها إلى الله تعالى من أجل أن يغيث الأرض وأن يجود برحمته على العباد”، مؤكدا أن “اتخاذ هذه الأقطاب وسيلة للدعاء يجد له ما يؤطره في النصوص الدينية نفسها، إذ كان الخليفة عمر بن الخطاب يتوسل ويستسقي بالعباس بن عبد المطلب عم رسول الله”.
وأكد المصرح لهسبريس أن “الأمر لا يتعلق بطلب الاستسقاء واستنزال المطر من هذا الولي أو ذاك، كما قد يعتقد البعض؛ ولكن بطلب الله تعالى من خلال أشخاص عُرفوا بعلمهم وتقواهم وحسن خلقهم وزهدهم في الحياة، ولا ينطوي على أي أفعال شركية ما دام أن المقصود والمستهدف بالدعاء معلوم”.
علاقة وثيقة
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال خالد التوزاني، باحث في الفكر الإسلامي، إن “للمغاربة علاقة وثيقة بالمطر، حيث يشكل عماد حياتهم، ويتدخل في تدبير جميع شؤونهم، الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك، عندما يكون العام ممطراً تكون الاحتفالات ويعم الخير وغير ذلك من مظاهر الحياة الطيبة، وعندما يقل المطر أو يكون الجفاف فإن حالة الخوف والقلق تظل هي المهيمنة على الحياة العامة لعموم المغاربة”.
وأضاف الباحث في الفكر الإسلامي أن “لجوء المغاربة إلى الاستسقاء وطلب نزول الغيث كان باستمرار وعلى مدار العام، عبر الصلاة الجماعية الخاصة بطلب المطر والتي تنطلق من مساجد المملكة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم للأطفال؛ فيخرجون في مواكب للدعاء والتوسل إلى الله بالقرآن الكريم ليُنزّل الغيث. كما تنظم الأضرحة والزوايا حلقات الذكر والتوسل والدعاء لطلب المطر، وقد تستمر هذه الحلقات لأيام عديدة موازاة مع مظاهر الاستعطاف بقراءة اللطيف وبعض الأوراد وأيضاً التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبقراءة قصائد في مدحه”.
وأوضح المصرح لهسبريس أنه “تبعاً لهذه الخلفية الاجتماعية والثقافية المعبّرة عن الذهنية المغربية التقليدية والأصيلة، فإن ربط نزول الأمطار بهذه الممارسات الاستسقائية هو ربطٌ ممكن بالنسبة للإنسان الذي اعتاد على هذه الطقوس في مواسم الزوايا؛ فلا يجد صعوبة في قبول فكرة أن هذا المطر هو فيض الرحمة وهو خير كثير، واستجابة ربانية لدعوات الصالحين، فنزل المطر حتى فاضت السدود”.
وأشار التوزاني إلى أن “المغاربة اعتادوا عبر العصور على أداء صلاة الاستسقاء، وعلى تخصيص جزء من الدعاء في الزوايا والأضرحة للطلب المطر؛ ومنها مواسم الصلحاء في المناطق الأمازيغية الجنوبية مثل موسم سيدي حماد أوموسى الذي تحضر فيه طقوس الاستمطار وطلب الغيث بقوة. ويشير هذا الربط إلى صلة المحبة والاحترام التي يكنها المغاربة للصلحاء، حيث كلما عرفوا إنساناً صالحاً وقريباً من الله بزهده وعلمه وصلاحه إلا وأقبلوا عليه وطلبوا منه الدعاء، وعلى رأس تلك الطلبات دعاء الغيث والرحمة”.
وخلص المتحدث إلى أنه “لا عجب أن يميل بعض المغاربة إلى اعتبار هذه الفيضانات نعمة، وليست نقمة؛ فهي بركة الصالحين، وعطاء الخالق الذي يرحم عباده”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “الإيمان بالله يبقى مقوماً رئيسياً من مقومات الهوية المغربية يُحقق الاطمئنان الروحي ويبني الشخصية المتوازنة، فلا تنهار في وقت الأزمات؛ بل تصمد وتعتبر ما حدث من قضاء الله وقدره، بل تراه رحمة وخيرا كبيراً، مثلما فسّرت الفيضانات والأمطار بأنها استجابة لدعاء الصالحين”.